يوميات صعلوك طنجاوي -9- فاشل… لا تصلح لشيء !-عبد العالي أشرنان (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

يوميات صعلوك طنجاوي -9-
فاشل… لا تصلح لشيء !

  عبد العالي أشرنان    

من منكم جرب الكتابة وهو شبعان؟؟ ومن جربها منكم وهو جوعان؟؟ بطنه فارغة لم تذق طعم الزاد في يوم كامل، الكتابة حتى التخمة شيء ثقيل لا تتحمله القلوب الضعيفة ولا العيون الضيقة أو العقول الخاوية ،ولكن أن تكتب وأنت في قمة الجوع شيء فريد من نوعه ،غاية في الغرابة فالحروف سيبدو عليها الهزال والضعف وستتحول إلى أشبه بإنسان مصاب بسوء التغذية في العالم الثالث وسيصبح هدير وجعجعة بطنك أشبه بصوت يستعد لإطلاق القذيفة ،شيء مخجل أن تمد يدك للناس وتهمس لمالك مطعم السندويتشات أن يمنحك لقمة تالفة أو ُفتاة مائدة منسي لكنك ستبدو غاية في البؤس لو تركت نفسك ضحية للجوع ،ثم ماذا لو رآك أحد معارفك وأصدقاء في الدراسة ؟؟ أنسيت أنك دوما فاخرت بكرمك الزائد وسخائك الكبير ،ماذا سيقولون لو وجدوك متسخ الثياب تنبعث منك الروائح الكريهة ربما ستجيبهم كالعادة بأنك تعمل في ميكانيك الطائرات أو تدير وجهك للخلف أو تسرع بالخطى هربا من العيون الفضولية المتلصصة .
جربت جميع المهن المنحطة ،إشتغلت في حراسة السيارات تستيقظ عند كل صباح باكر بهمة ونشاط وتعلق على صدرك بطاقة الحراسة، وتجهز لنفسك سطل ماء تغسل به سيارات الزبناء المفضلين لديك ،داومت على هذا العمل البسيط لكنك سرعان ما مللته كنت تتشكى باستمرار من أصحاب السيارات ،فمنهم من كان يمنحك الدرهم الواحد مشكورا والأخر يتفل في وجهك ومنهم من كان يهرب بما عليه مدعيا عدم رأيته لك ،تركت حراسة السيارات وانتقلت لبيع الضيطاي في " بنى مكادة" في البداية لم تكن تميز بين أشكال السجائر الكثيرة فهذا " الماربو ر"وهذا سجار البرجوازية وذاك" الزرقة" سيجارة المهمشين ومع ذلك حفظت الأسماء كلها لقوة ذاكرتك ورغبتك في التعلم السريع وأي تعلم ؟؟شاهدتك ذات مرة مركونا في زاوية تبتلع دخان أول سيجارة لك وتلتفت يمينا وشمالا وأنت تسعل باستمرار وحين لمحتني خبأت السيجارة وقلت لي إنك مصاب بنزلة برد ،لم أصدقك بطبيعة الحال ،مللت العمل بسرعة فقررت هذه المرة الانتقال للعمل في الحدادة التي تكرهها كثيرا فصوت المطرقة يكاد يصم أذنيك الصغيرتين ورأسك يكاد ينفجر ،اشتكيت وهذه عادتك من قسوة" المعلم" الذي يستغلك في نقل قضبان الحديد الثقيلة ويشتمك بدون انقطاع فلم يدم عملك إلا بضعة أيام حتي تركته غاضبا مشمئزا لاعنا .
عدت من جديد لمهنتك الوضيعة في حراسة السيارات لكن البلدية رفضت منحك رخصة الحراسة من جديد ،فدخلت صفوف العطالة من أضخم وأوسع أبوابها وبقيت وحيدا في الشارع تلفظك الدروب وتقذف بك الأزقة إلى المجهول ،حاولت الهجرة سرا لكنهم رموك في زنزانة باردة بعدما علموك معني حقوق الإنسان ،ثم رموك كأي كلب في بلدتك البئيسة ….خلاصة القول إما أنك فاشل لا تصلح لشيء …أو أنك ضحية مجتمع لا يرحم.



 
  عبد العالي أشرنان (المغرب) (2009-03-07)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

يوميات صعلوك طنجاوي -9- 
فاشل… لا تصلح لشيء !-عبد العالي أشرنان (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia